قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
وأما اسم المُكاء والتصدية :
فقال - تعالى - عن الكفار : { وما كان صلاتُهُم عند البيتِ إلا مُكاءً وتصدية }
[الأنفال 35]
قال ابن عباس ، وابن عمر ، وعطية ، ومجاهد ، والضحّاك ، والحسن ، وقتادة : الُمكاء : الصفير ، والتصّدية : التصفيق .
وكذلك قال أهل اللغة : المكاء : الصفير ، يقال : مَكا ، يمكو ، مُكاءً : إذا جمع يديه ثم صفّر فيهما ، ومنه : مَكَتِ اسْتُ الدّابة ، إذا خرجت منها الريح بصوت ، ولهذا جاء على بناء الأصوات ، كالرُّغاء ، والعُواء ، والثُّغاء .
قال ابن السِّكِّيت : الأصوات كلها مضمومة ؛ إلا حرفين : النداء ، والغناء .
وأما التصدية : فهي في اللغة : التصفيق ، يقال : صدَّى ، يُصدِّي ، تصديةٌ : إذا صفّق بيديه .
قال حسّان بن ثابت ، يعيب المشركين بصفيرهم وتصفيقهم :
إذا قام الملائكةُ انبعثتم
* * *صلاتُكُمُ التصدّي والمُكاءُ
وهكذا الأشباه ؛( أي أشباه المشركين ) *يكون المسلمون في الصلوات الفرض والتطوع ، وهم في الصّفير والتصفيق .
قال ابن عباس : كانت قريش يطوفون بالبيت عُراةً ، ويُصفِّرون ويُصفِّقون .
وقال مجاهد : كانوا يعارضون النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف ، ويُصفّرون ويُصفقون ، يَخْلطون عليه طوافه وصلاته.
ونحوُه عن مقاتل .
ولا ريب أنهم كانوا يفعلون هذا وهذا .
فالمتقرِّبون إلى الله بالصفير والتصفيق : أشباهُ النوع الأول ، وإخوانُهم المخلِّطون به على أهل الصلاة والذكر والقراءة : أشباه النوع الثاني .
قال ابن عَرَفة ، وابن الأنباري : الُمكاء والتصدية ليسا بصلاة ، ولكن الله - تعالى- أخبر أنهم جعلوا مكان الصلاة التي أُمروا بها : المكاء والتصدية ، فألزمهم ذلك عظيم الأوزار ، وهذا كقولك : زُرْته ، فجعل جَفائي صِلَتي ؛ أي : أقام الجفاء مقام الصلة .
والمقصود أن المصفِّقين والصفَّارين في يراع أو مِزمار ونحوه : فيهم شَبَهٌ من هؤلاء ، ولو أنه مجرد الشَّبه الظاهر ، فلهم قِسط من الذم ، بحسب تشبُّههم بهم ، وإن لم يتشبهوا بهم في جميع مُكائهم وتصديتهم .
والله - سبحانه - لم يشرع التصفيق للرجال وقت الحاجة إليه في الصلاة إذا نابَهُم أمرٌ ؛ بل أُمروا بالعدول عنه إلى التسبيح ؛ لئلا يتشبهوا بالنساء ، فكيف إذا فعلوه لا لحاجة ، وقَرنُوا به أنواعاً من المعاصي قولاً وفعلاً .
[ إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان ]
ج1/ 439_440